کد مطلب:167945 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:134

لماذا لم یقتحم الثوار القصر
لعلّ هذا التساول قد انقدح فی ذهن كلّ من فكّر وتأمّل فی قصة حركة أحداث الكوفة أیّام مسلم بن عقیل علیه السلام، وهو سؤالٌ وجیه، یبقی السائل عنده فی حیرة واستغراب مالم یُلمَّ بكل المتون التأریخیة الواردة فی قصة تلكم الایّام، ویُحیط بشوارد الدلالات الظاهرة والخفیّة فیها، أو یتلقّی الاجابة المقنعة عن ذی علم قد أحاط بها.


ومن مجموع تلكم المتون یمكننا أن نذكّر بمجموعة من الملاحظات التی تتضح وتتحدّد بمعرفتها واستذكارها الاجابة عن هذا التساؤل:

1) ذكرنا من قبلُ أن قرار المواجهة مع الحكومة المحلیّة فی الكوفة كان قراراً إستثنائیاً فرضته الضرورة التی اضطرّت مسلماًعلیه السلام إلی الخروج عن أصل خط السیر فی إتمام إعداد وتحضیر جموع المبایعین روحیاً وعملیاً لتحمّل أعباء النهضة مع الامام علیه السلام، والمدّة التی قضاها مسلم علیه السلام منذ دخوله الكوفة حتی محاصرته القصر وهی حوالی شهرین تعتبر قصیرة إزاء المدّة المطلوبة لاتمام الاعداد والتحضیر.

إذن فقد حاصر مسلم علیه السلام القصر بجموع أكثریتها لم تستكمل الاعداد الكافی، فهی من حیث الناحیة الروحیّة لم یزل الشلل النفسی والوهن الروحی یحبّب لهم الدنیّا والعافیة والسلامة وكراهیة الموت إنهم یتمنّون لو انتصر مسلم أو الامام (ع) ولكن بلامؤنة علی أنفسهم فی ذلك!، ولم یزل إسم (جیش الشام) یثیر فیهم أقصی درجات الرعب والاحساس بالهوان والمذلّة!، ومن الناحیة العملیة فإنّ ارتباطهم القبلی لم یزل عند الاكثریة منهم أقوی من الارتباط الدینی، وهذا أخطر ما یمكن أن یضرَّ بالحركة الدینیة الثوریة آنذاك، وربّما إلی الیوم فی بعض ‍ بلدان العالم الاسلامی! هذا فضلاً عن عدم استكمال تحضیر العدّة الكافیة من أسلحة وأموال، وتدریب ووسائل وأسالیب الارتباط والامداد وما إلی ذلك!

یری المتتبع ماقلناه فی هذه النقطة واضحاً جلیّاً فی دلالات بعض المتون التأریخیة، فهذا عبّاس بن جعدة الجدلی وهو أحد قادة الالویّة فی جیش مسلم علیه السلام یقول: (خرجنا مع ابن عقیل أربعة آلاف، فما بلغنا القصر إلاّ ونحن


ثلثمائة!)، [1] وهذا ابن نما (ره) یروی أنّ مسلماًعلیه السلام أحسَّ بالخذلان قبل مهاجمته القصر حیث (رأی أكثر من بایعه من الاشراف نقضوا البیعة وهم مع عبیداللّه!)، [2] وخذ مثلاً علی تفضیل الانتماء القبلی علی الرابطة الدینیة روایة الطبری أنّ ابن زیاد دعا كثیر بن شهاب (فأمره أن یخرج فیمن أ طاعه من مذحج فیسیر فی الكوفة ویخذّل الناس عن ابن عقیل ویخوّفهم الحرب ویحذّرهم عقوبة السلطان، وأمر محمّد بن الاشعث أن یخرج فیمن أ طاعه من كندة وحضرموت..)، [3] وفی هذا النصّ بالذات إشعار كافٍ أیضاً بالحالة المعنویة المتدنیّة عند الناس یومذاك، والتی كان ابن زیاد لعنه اللّه یعرفها جیداً فیهم وفی وجهائهم!

2) كان لتفرّق قبیلة مذحج وإنصرافها عن القصر، وبقاء هانی (رض) رهن الاعتقال وخطر القتل بعد أن اجتمعت مذحج قاطبة بكلّ فروعها لاستنقاذه أو للثاءر له أثرٌ سیء كبیر فیما بعد علی المواجهة التی قام بها مسلم علیه السلام لاستنقاذ هانی (رض)، إذ ألقت هذه النهایة الخائبة فی روع النّاس وهذا ما كان یهدف إلیه أیضاً ابن زیاد وعمرو بن الحجّاج وأمثالهم أنّه إذا كانت مذحج قبیلة هانی (رض) نفسه وهی أكبر وأقوی قبیلة فی الكوفة لم تستطع إنقاذه، أو رضیت ببقائه معتقلاً عند ابن زیاد، فما بال مسلم علیه السلام یصرُّ علی إطلاق سراحه!؟ وهل یقوی بمن معه من هذا الخلیط المنوّع من قبائل شتّی أن یحقّق مالم تحققه مذحج نفسها!؟

لقد كان هذا سبباً من اسباب انبعاث الشك فی قلوب ضعاف الایمان من أهل


الكوفة وما أكثرهم! حول قدرة مسلم علیه السلام علی تحقیق مایرید، ممّا أدّی إلی تراخی الهمّة والعزم فیهم وتفرّقهم عنه.

وإذا تذكّرنا أنّ حادثة اجتماع مذحج وإحاطتها بالقصر ثمّ تفرّقها وإنصرافها عنه قد تزامنت مع قیام مسلم علیه السلام وإقباله بمن معه لمحاصرة القصر مع تفاوت زمنی قلیل جدّاً علمنا أنه لم یكن هناك متسع من الوقت أمام قیادة الثورة لمعالجة هذا الاثر النفسی السیء الذی سببته النهایة الخائبة لاجتماع مذحج ثمَّ انصرافها.

ولعلّ هذا الاثر النفسیّ السّیء هو الذی یفسّر لنا تناقص عدد جیش مسلم علیه السلام فی بدایة الامر كما حدّثنا بذلك القائد عبّاس الجدلی: (خرجنا مع ابن عقیل أربعة آلاف، فما بلغنا القصر إلاّ ونحن ثلثمائة!).

3) الظاهر مما توحیه بعض المتون التأریخة أنّ مسلماًعلیه السلام حاصر القصر بعدد من مبایعیه (أربعة آلاف) یشكّل أقل من ثلث العدد الشهیر لمجموع مبایعیه (ثمانیة عشر ألفاً)، ویبدو أنّ بقیّة هذا المجموع الذین لم یشتركوا فی بدء محاصرة القصر كانوا مبثوثین فی داخل مدینة الكوفة وفی أطرافها وضواحیها، والظاهر أنّ مسلماًعلیه السلام قد أ رسل إلیهم من یخبرهم بقراره الاستثنائی ویستنفرهم للالتحاق به، ویبدو أنّ من كان منهم فی داخل الكوفة قد استطاع الالتحاق بمسلم علیه السلام قبل المساء، بدلیل قول القائد عبّاس الجدلی أ یضاً: (.. ثمّ إنّ الناس تداعوا إلینا واجتمعوا، فواللّه ما لبثنا إلاّ قلیلاً حتّی امتلاالمسجد من الناس والسوق ومازالوا یثوبون حتّی المساء..)، [4] كما أرسل مسلم علیه السلام إلی قواته الموجودة فی أطراف الكوفة، لكنها فی الظاهر لم تستطع الوصول الی داخل


الكوفة إلاّ بعد تفرّق النّاس وانتهاء الحصار وانقلاب الوضع، مثل اللواء الذی جاء به المختار، واللواء الذی جاء به عبداللّه بن الحارث بن نوفل، حیث وصلاإلی داخل الكوفة بعد فوات الامر، فاضطّر المختار إلی أن یدّعی أنه جاء لحمایة عمرو بن حُریث! بعد أن وضح لهما قتل مسلم علیه السلام وهانی (رض)، ففی روایة تأریخیة: (وكان المختار عند خروج مسلم فی قریة له تُدعی (خطوانیّة) فجاء بموالیه یحمل رایة خضراء، ویحمل عبداللّه بن الحارث رایة حمراء، وركز المختار رایته علی باب عمرو بن حریث وقال: أردتُ أن أمنع عمراً! ووضح لهما قتل مسلم علیه السلام وهانی (رض)، وأشیر علیهما بالدخول تحت رایة الامان عند عمرو بن حُریث ففعلا، وشهد لهما ابن حریث باجتنابهما ابن عقیل، فأمر ابن زیاد بحبسهما بعد أن شتم المختار واستعرض وجهه بالقضیب فشتر عینه، وبقیا فی السجن إلی أن قتل الحسین علیه السلام.). [5] .

من هنا، یُفهم أنّ مسلماًعلیه السلام بقی مدّة طویلة من ذلك النهار یستجمع قوّاته وینتظر وصول مالم یصل منها للقیام بعمل عسكری حاسم یؤدی إلی فتح القصر أمام الثّوار والسیطرة علیه وعلی من فیه.

4) لایشكُّ المتأمّل العارف بأخلاقیة أهل البیت (ع) السامیة وأخلاقیة من تربّی فی أحضانهم وكنفهم، والمُدرك للضرورات السیاسیة والاجتماعیّة، أنّ مسلم بن عقیل علیه السلام كان یحرص كلّ الحرص علی سلامة هانی بن عروة (رض)


وعلی انقاذه وإطلاق سراحه محفوظ العزّة والجاه والكرامة، وبرغم أنف ابن زیاد ومن شایعه من وجهاء وأشراف الكوفة.

وذلك: لایمان هانی (رض) ومظلومیّته وأهمیّته، فنصرته واستنقاذه وإعزازه أمرٌ واجب مع القدرة علی ذلك، وتتجلّی أهمیّة هانی (رض) فضلاً عن كونه قیادیّاً بارزاً جداً فی التكتل الثوری فی كونه القطب الذی یمكن أن تجتمع عند كلمته قبیلة مذحج قاطبة، ففی إطلاق سراحه عزیزاً منتصراً علی ید قوّات الثورة برغم ابن زیاد تعزیز وتقویة لموقعه الرفیع فی أهل الكوفة عامة، وفی قبیلة مذحج خاصة التی قد تستشعر فضل الثورة علیها بإطلاق سراح زعیمها معزّزاً مُكرّماً، الامر الذی قد یدفع جمیع مذحج بعد ذلك إلی إطاعة هانی (رض) فی مناصرة الثورة والانضمام إلیها إلی آخر الامر، ولایخفی ما فی جمیع ذلك من إذلالٍ للسلطة الامویّة وكسر لشوكتها وإضعافها، هذا علی فرض أنّ المواجهة بین الثوّار والسلطة كانت ستنتهی عند إطلاق سراح هانی (رض).

من هنا، یمكن للمتأمّل المتتبع أن یجزم بأنّ الثوّار كانوا قد عزموا علی اقتحام القصر، ووضعوا لذلك الخطّة التی تضمن سلامة هانی (رض) أیضاً.

5) هناك إشارات تأریخیة تفید أنّ عبیداللّه كانت قد تزایدت قواته القتالیة طیلة نهار ذلك الیوم یوم حصار القصر حتّی صار بإمكانها أن تؤخّر عملیة اقتحام الثوار للقصر حتّی المساء.

نعم، لعلّ من الصحیح ما ورد أنه لم یكن معه فی البدء لمّا أقبلت قوات مسلم علیه السلام نحو القصر غیر ثلاثین رجلاً من الشُرَط وعشرین رجلاً من اشراف الناس وأهل بیته وموالیه، [6] لكنّ الاشراف والوجهاء الذین كان میلهم مع ابن زیاد أو


كانوا یخشون أن تصیبهم دائرته تسللّوا إلی داخل القصر مع موالیهم ومن أطاعهم من قبائلهم بخفاء وتدریج: (وأقبل أشراف النّاس یأتون ابن زیاد من قبل الباب الذی یلی دار الرومیین..)، [7] حتی بلغ عددهم علی مافی روایة الدینوری: (وكانوا مقدار مائتی رجل، فقاموا علی سور القصر یرمون القوم بالمدر والنشّاب، ویمنعونهم من الدنّو من القصر، فلم یزالوا بذلك حتّی أمسوا)، [8] ثمّ ازداد عددهم حتّی عبّر عنه كثیر بن شهاب ب‍ (الكثیر) حین قال لابن زیاد: (أصلح اللّه الامیر، معك فی القصر ناس كثیر من أشراف النّاس ومن شرطك وأهل بیتك وموالیك فاخرج بنا إلیهم!). [9] .

إذن فإنّ قوّة ابن زیاد الحربیة تزایدت حتّی صار بمقدورها مقاومة الثوّار ومنعهم من الدنوّ من القصر وتأخیر اقتحامه حتّی حلول المساء.

هذا فضلاً عن أنّ (من المعلوم أنّ إخضاع القصر بمن فیه لایتمّ خلال ساعة من الحصار، كما أنّ وقت النهار یكاد ینتهی، والهجوم علی القصر الضخم البناء الذی أوصد ابن زیاد أبوابه الكبیرة بشكل محكم لایسفر عن نتیجة نافعة، إنّه كالهجوم علی الصخر كان القصر مشیّداً بمتانة بالغة، تحكی ذلك أنقاضه الموجودة لحدّ الان، رغم مرور ألف وثلاثمائة وخمسین عاماً علی تشییده، ویكفی أن نتصوّر كون جدار القصر من القوة والسعة بحیث تتمكن الشاحنات من السیر فوقه فلابُدَّ إذن والحالة هذه من المحاصرة المستمرة التی قد تطول أیّاماً


حتّی یستسلم من فیه مثلاً، أو یسلّموا هانیء علی أقلّ تقدیر.). [10] .

6) لایتردد المتأمّل فی المتون التاریخیة التی تتحدّث عن نشوب القتال بین الطرفین فی القطع بأنّ الثوّار بقیادة مسلم علیه السلام كانوا قد نفّذوا خطّتهم لاقتحام القصر، وأنّهم قاتلوا قتالاً شدیداً لتحقیق النصر، كما أنّ قوّات ابن زیاد قد دافعت عن القصر دفاعاً مستمیتاً حتّی المساء، ومن هذه المتون التی تشیر إلی ذلك قول ابن أعثم الكوفی: (وركب أصحاب عبیداللّه، واختلط القوم، فقاتلوا قتالاً شدیداً..)، [11] وقول ابن طاووس (ره): (وأقتتل أصحابه وأصحاب مسلم)، [12] وقول ابن نما (ره): (واقتتلوا قتالاً شدیداً إلی أن جاء اللیل.). [13] .


[1] تاريخ الطبري، 4:275.

[2] مثير الاحزان: 34.

[3] تاريخ الطبري، 3:287.

[4] تأريخ الطبري، 3:287.

[5] مقتل الحسين عليه السلام، للمقرّم: 157 158؛ وفي رواية للطبري (أنّ المختار بن أبي عبيد، وعبداللّه بن الحارث بن نوفل، كانا قد خرجا مع مسلم، خرج المختار براية خضراء، وخرج عبداللّه براية حمراء وعليه ثياب حمر! وجاء المختار برايته فركزها علي باب عمرو بن حريث، وقال: إنّما خرجت لامنع عمراً!)، (تاريخ الطبري، 3:294).

[6] تأريخ الطبري، 3:287.

[7] تأريخ الطبري، 3:287.

[8] الاخبار الطوال: 238.

[9] تأريخ الطبري، 3:287.

[10] مبعوث الحسين 7: 181.

[11] الفتوح، 5:86.

[12] اللهوف: 22.

[13] مثير الاحزان: 34.